نظمت جامعة ابن طفيل و مختبر اللغة والإبداع و الوسائط الجديدة بكلية الآداب – جامعة ابن طفيل – والمركز الثقافي المصري بالرباط، بمناسبة الذكرى المئوية لنجيب محفوظ لقاء ثقافيا بعنوان : كيف يقرأ النقد المغربي " نجيب محفوظ "، وذلك يوم 29/12/2011 بالمدرج الأزرق برحاب كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، على الساعة العاشرة صباحا. وحضره أساتذة و طلبة من تخصصات مختلفة.
توزعت أعمال هذا اللقاء إلى شوطين؛ شوط أول خصص للجلسة الافتتاحية وشوط ثان خصص للجلسة النقدية. و نعرض في ما يلي لكل جلسة على حدة، مركزين على الأفكار الرئيسة التي وردت فيهما.
1. الجلسة الافتتاحية
• المتدخلون:
الدكتورة زهور كرام: رئيسة الجلسة مختبر اللغة و الإبداع و الوسائط الجديدة
الدكتور عبد الرحمان طنكول: رئيس جامعة ابن طفيل
الدكتور محمد بركات: المركز المركز الثقافي المصري بالرباط
الدكتور عبد الحنين بلحاج: عميد كلية الآداب
استهلت الجلسة الافتتاحية بكلمة الدكتورة زهور كرام، رحبت فيها بالحضور طلبة وأساتذة، شاكرة الدكتور محمد بركات على اقتراحه فكرة تنظيم هذا اللقاء و كذا الجامعة في شخص رئيسها وعميد كلية الآداب و نوابه ومختبر اللغة والإبداع والوسائط الجديدة. كما أبرزت الدكتورة كرام أن الاحتفاء بنجيب محفوظ هو في ذات الآن احتفاء بالفكر النقدي المغربي، الذي أصبح يشكل علامة قوية على الصعيد العربي، ما جعله يتميز بخصوصية عربيا و دوليا. كما اعتبرت أن الاحتفاء بنجيب محفوظ، ليس محفوظا للمصريين فقط، بل للعرب قاطبة، ومن ثمة يحق لجميع العرب الاحتفاء به. وأضافت أيضا و بعبارة موجزة " إن نجيب محفوظ بلغ العالمية حين أتقن المحلية ".
أما الكلمة الموالية، فتناولها الدكتور عبد الرحمان طنكول، والتي تجاوز فيها الخطابات الرسمية على حد تعبير الدكتورة زهور كرام في تعليقها عليها.
إن العودة إلى أعمال نجيب محفوظ – حاليا – تجعلنا نقيمها بموضوعية. ويستطرد قائلا : إن ما حققته أعمال نجيب محفوظ يشاكل ما حققته ألف ليلة وليلة، موكدا أن ذلك ليس من باب المبالغة، فأعمال نجيب محفوظ استطاعت أن تؤرخ و تدون لجغرافية المخيال العربي، كما أنها تشعرنا أن الواقع يتجاوز المخيال. فضلا عن تغليبها للامرئي على المرئي، بحيث كانت لنجيب محفوظ القدرة على تكبير الأشياء المجهرية.
في مداخلته أثار الدكتور عبد الرحمان طنكول مجموعة من الأسئلة، و لعل أهمها: لماذا لم ينكب النقد ذي الطابع الإيديولوجي بالمغرب، خصوصا في عقدي الستينات و السبعينات على دراسة أعمال نجيب محفوظ؟
النقد المغربي اهتم بأعمال نجيب محفوظ، بدءا من البنيوية و الشكلانية و البويطيقا، وأعمال نجيب محفوظ هي التي فرضت هذه المناهج في الدراسة.
ليختتم الدكتور طنكول كلمته بالقول: حان الوقت أن نضع موطئا جيدا للأدب العربي، ففي العالم العربي نتحدث بانبهار عن أعمال كارسيا ماركيز مثالا لا الحصر عكس ما نصنعه مع أعمال نجيب محفوظ.
أما الدكتور محمد بركات، فقد أبرز في مداخلته أن نجيب محفوظ شمعة أنارت دروب الأدب العربي، تمثل الإبداع كما يجب أن يتمثل، فكان بذلك أول عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب. إنه حامل مشروع حضاري، يحارب التلوث الحضاري.
وذيلت الجلسة الافتتاحية، بمداخلة الدكتور عبد الحنين بلحاج، و التي عضد فيها ما ذهب إليه الدكتور طنكول، و هي أنه كلما ابتعدنا عن تاريخ نجيب محفوظ، كلما عرفنا قيمة إبداعه، و اعتبر أن الاحتفاء بنجيب محفوظ، هو احتفاء بالرواية العربية عموما. لترفع بعد هذه الكلمة الدكتورة زهور كرام الجلسة، التي تلاها حفل شاي.
2. الجلسة النقدية
• المتدخلون:
الدكتور محمد محيفيظ: رئيس الجلسة، كلية الآداب القنيطرة
الدكتور سعيد يقطين: كلية الآداب الرباط
الدكتور عبد اللطيف محفوظ: كلية الآداب ابن مسيك
عبد المالك أشهبون: كلية الآداب فاس
افتتحت الجلسة بشريط وثائقي، يعرض سيرة نجيب محفوظ، الإبداعية منها بالأخص، واستحضر الشريط سلسلة من الشهادات لروائين و نقاد في حق المحتفى به، أجمعت كلها على عبقرية الرجل وعلو كعبه في الرواية العربية. و بعد هذا الشريط، مهد الدكتور محمد محيفيظ أرضية للمداخلات، ركز في بدايتها على فكرة رئيسة وهي أن كتابات نجيب محفوظ بإمكانها أن تكون محط شعب أخرى كالفلسفة مثلا، فنصوص محفوظ عابقة بالفلسفة، مستحضرا كون نجيب محفوظ حامل للإجازة في الفلسفة. ليسلم الكلمة للدكتور سعيد يقطين و الذي عنون مداخلته بعنوان " هل من نجيب محفوظ عربي في القرن 21". جاء فيها أن أهم الدراسات منذ الثمانينات إلى الآن عن نجيب محفوظ، تصدر من المغرب، باحثة عن مكمن الإبداعية في إبداعاته. و بغية الوصول إلى السؤال المنطلق (عنوان المداخلة)، فقد انطلق الدكتور يقطين من تحديد مميزات نجيب محفوظ المبدع:
• مشروع: إن منطلق أعمال محفوظ لم يكن من باب الترف الفكري أو تزجية الوقت، بل إن أعماله عبارة عن مشروع، ففي روايته الأولى فكر أن يكتب تاريخ مصر، لكن روائيا.
• مشروع قابل للتطور: كان نجيب محفوظ يتوقف عن الكتابة للتجديد، و ذلك ما يتضح في كتاباته، حيث انتقل من الصيغة التقليدية إلى تجريب أشكال أخرى.
• التنوع الإبداعي: ركز على السرد انطلاقا من اشتغاله بالرواية و المسرح و القصة، كما اشتغل أيضا بالسيناريو، وذلك ما أعطى لأعماله قوة جعلتها تتحول إلى دراما.
و خلص الباحث إلى أن المشروع الروائي لنجيب محفوظ، جعل منه المهندس الروائي الذي أقام أعماله على خلفية و رؤى.
حدد الدكتور يقطين خلفيتين لأعمال نجيب محفوظ:
• الخلفية الفلسفية: هي رؤية خاصة يمكن أن نتفق معه فيها أو نختلف.
• الخلفية الإعلامية: فهو مارس الصحافة ( من مميزات الروائيين المصريين اشتغالهم بالصحافة) ما أعطاه إمكانية تحوير أعماله في قالب سردي، فني، و في قالب إعلامي وفي قالب روائي.
تحصل لنجيب محفوظ استثمار هذه الخبرات، نظرا لعمره الطويل.
ليصل بعد عرضه لمجموعة من مميزات نجيب محفوظ الإبداعية إلى عرض مميزات تستشرف نجيب العربي في القرن الواحد والعشرين، و لعل أبرزها أن يكون مهندسا بما للكلمة من معنى؛ فهذا المحفوظي الجديد سيكون ابن آلة التحكم، عليه ن يمتلك الوسائط الجديدة. بمعنى آخر على المحفوظي الجديد أن يمتلك أبجديات عصره، فنجيب محفوظ المبدع الراحل كان متمكنا من أدوات عصره. وقد أنهى الدكتور سعيد يقطين مداخلته بالعبارة الآتية: " إن الإبداع النجيب، يخلق القارئ النجيب".
و من جهته في المداخلة الموالية، تصدى الدكتور عبد المالك أشهبون لموضوع بعنوان " نجيب محفوظ من المحلية إلى العالمية "، استنادا إلى نقطتين:
• كيفية اختيار نجيب محفوظ لعناوين روايته.
• فن التصوير الفني عند نجيب محفوظ
إن الطابع المحلي لا تخطئه العين، بدءا من الغلاف وصولا إلى المتن. نجيب محفوظ كان مهوسا بأصالة المجتمع المهددة بالتبدل والتحولات، نتيجة الاستعمار وتهديد العولمة في وقت لاحق، فالمكان يحتفي بمصر و لا شيء غير مصر " كفاح طيبة " " القاهرة الجديدة " " خان الخليلي " " ثرثرة فوق النيل "، لا نجد اسما لمدينة عربية أو غربية أخرى. و في ما يخص التصوير فنجده متحققا في وصف القاهرة و أهلها، حتى إن صدى الناس ليكاد ينعدم لدى القارئ.
هيمنة المحلية، إذا، دفاع عن الذات وتحصين لها ضد الآخر، الذي يهددها بالتشويه، وهذا هو السبيل الحقيقي لبلوغ العالمية، حيث لم تدجن إبداعاته، و لم يكتب تزلفا.
و تعقيبا على مداخلة الدكتور سعيد يقطين، قال الدكتور أشهبون: " أعطونا زمنا مثل الذي عاشه نجيب محفوظ، برجالاته السياسية و الثقافية، نعطيكم نجيب محفوظ".
و اختتمت سلسلة هذا المداخلات، بمداخلة للدكتور عبد اللطيف محفوظ الموسومة بـ " روايات نجيب محفوظ و تمثل التاريخ ". صنف في مستهل كلامه الرواية ضمن ما يسميه هيغل بالتاريخ الوثيقة، و أبرز أن التاريخ، شكل منطلق إبداعات نجيب محفوظ، الثلاثية الشهيرة ( كفاح طيبة)، و ذهب إلى القول أيضا إن الرواية التاريخية لا يمكن أن تفيد المؤرخ، و أشار إلى أن روايات نجيب محفوظ جواب تفرضه الوضعية. ليخلص إلى القول في معرض كلمته التي فصل فيها القول عن تمثل روايات محفوظ للتاريخ إن " خطورة الرواية أخطر من التاريخ، تقزز المؤرخ و تغالط المؤرخ ".
و قبل طي صفحة لقاء، امتد زهاء أربع ساعات؛ من الساعة العاشرة إلى الثانية بعد الزوال، فتح رئيس الجلسة المجال لتدخلات الطلبة والأساتذة، والتي تفاعل معها المتدخلون. وكان هذا مسك الختام.
ختاما إننا لنأمل أن تشكل هذه المبادرة حافزا لباقي الجامعات للاحتفاء بالمبدعين، سواء أكانوا أحياء أم أموتا، و يبقى على رأس هذه الاحتفاءات، إعادة الاعتبار للذات و الاحتفاء بالقامات المحلية في شتى المجالات. و إننا لنأمل أن نكون قد بلغنا مما راج في هذه الندوة ولو آية.